اكدت وزارة شؤون الأسرى والمحررين بأنه في مثل هذا اليوم قبل واحد وثلاثين عاماً اعتقل الاحتلال الأسير نائل صالح عبد الله برغوثي من مدينة رام الله، وحكم عليه بالسجن المؤبد، وها هو اليوم في الرابع من نيسان يدخل عامه الثاني والثلاثين، ليكون بذلك أقدم أسير فلسطيني، وأكثر أسير في العالم يمضي هذه المدة في سجون الاحتلال، حيث تسلم راية عميد الأسرى الفلسطينيين بعد إطلاق سراح الأسير سعيد العتبة من نابلس والذي امضي 31 عاماً وأطلق سراحه نهاية العام الماضي.
وأوضح رياض الأشقر مدير الدائرة الإعلامية بالوزارة بان الأسير البرغوثي واحد من بين (334 ) أسير هم الأسرى القدامى المعتقلون قبل اتفاق أوسلو، منهم ( 136) أسير من الضفة الغربية و( 132 ) أسير من قطاع غزة ، و(46) أسير من القدس وأقدمهم الأسير فؤاد قاسم عرفات الرازم، المعتقل منذ 30-1-1980،و(20) أسير من المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1948، وأقدمهم الأسير سامي خالد يونس والمعتقل منذ 5-1-1983، وبينهم ( 3 ) أسرى عرب وأقدمهم بشر سليمان المقت ( 43 عاماً ) الذي تم الافراج عنه في آب 2008.
ويعتبر البرغوثي عميد الأسرى العرب بعد إطلاق سراح الأسير اللبناني سمير القنطار، بالإضافة إلى الأسيرين صدقي سليمان المقت ، وعاصم محمود والي، المعتقلان منذ 23-8-1985 ، وهم من هضبة الجولان السورية المحتلة.
ومن بين الأسرى القدامى (95) أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً ، وهناك (11) أسيرا امضوا أكثر من ربع قرن في السجون ،واثنين امضوا أكثر من 30 عاماً داخل السجون ،وهم نائل البرغوثي من رام الله ومعتقل منذ 4/4/1978م والأسير فخري البرغوثي المعتقل منذ 23/6/1978.
فقدان الأحبة
وأشار الأشقر إلى سنوات السجن الطويلة التي أمضاها الأسرى القدامى في السجون ، حيث تغيرت خلالها أموراً كثيرة ، حيث فقد الأسرى الكثير من الأحبة والأعزاء على قلوبهم قبل أن ينعموا بلقائهم خارج جدران الأسر، فمنهم من فقد ابنه شهيداً، ومنهم من فقد زوجته أو والديه أو احدهما، وكان اخرهم الأسير غازي النمس الذي امضى في سجون الاحتلال 24 عاما، كانت خلالها والدته تنتظر اليوم الذي تحتضنه فيه، إلى أن اقترب الأمل باختطاف الجندي شاليط وإدراج اسم غازي ضمن الصفقة، فبدأت الأم بترتيب البيت وشراء الملابس والفراش، وتجهيز غرفة الزواج، إلا أن الأخبار التي تواردت عن تعثر الصفقة بسبب تعنت الاحتلال أدت إلى إصابتها بالحزن والهم وقتلت الفرحة في قلبها الذي لم يحتمل اليأس مرة أخرى ، ولفظت أنفاسها الأخيرة وهي تتمنى رؤية ابنها التي حرمت من زيارته منذ خمسة ، حيث كانت دوما تردد (أكحل عيني برؤيته يوم واحد وثاني يوم أموت مرتاحة) .
أمل في التحرر
وأكد الأشقر انه رغم مرور تلك السنوات الطويلة لازال الأمل يملأ قلوب الأسرى القدامى لتنشق هواء الحرية، واحتضان الأبناء الذين أصبحوا رجالاً مع مرور السنين وتقبيل الأحفاد الذين خلقوا على هذه الدنيا وهم غائبون عنها ، فبعد قيام فصائل المقاومة الفلسطينية باحتجاز الجندي شاليط في غزة خلال عملية الوهم المتبدد، وتسليم الاحتلال بضرورة التفاوض مع الفصائل لإتمام صفقة تبادل وأصرت الفصائل على أن يكون القدامى الذين افنوا زهرات شبابهم وسنين طويلة من عمرهم من اجل الوطن في مقدمة هذه القائمة، استبشر الأسرى القدامى خيراً بقرب الحرية، وأصبحت مسالة إطلاق سراحهم مسالة وقت فقط، وبدأ كل اسير منهم يرتب أولوياته لما بعد الإفراج، ويرسم لنفسه مكاناً في الخارطة السياسية لفلسطين، حتى يكمل مشوار العطاء والبناء.
ظروف قاسية
وبينت الوزارة ان أوضاع الأسرى القدامى لا تختلف في شئ عن أوضاع الأسرى بشكل عام، فلا اعتبار لكبر سنهم أو عدد السنين الذي أمضوها، فهم يعيشون أوضاعاً سيئة للغاية، حيث تحرمهم إدارة السجون من الكثير من حقوقهم وتمارس بحقهم بشكل متعمد كل أساليب التضييق والاضطهاد، وخاصة عمليات التنقل المستمرة بين الأقسام والسجون لمضاعفة معاناتهم، وخلق حالة من عدم الاستقرار والمعاناة النفسية للأسير ولزيادة معاناة الأهل اثناء زيارتهم، وعملية النقل الشاقة عليهم وخاصة أنهم من كبار السن، يرافقها إجراءات عدوانية في البوسطة من تقييد أيديهم وأقدامهم والتوقف والانتظار أمام كل سجن لنقل الأسرى الآخرين، كما يعانون أثناء النقل من سياسة التفتيش العاري والاحتجاز بقيود مشددة في الزنزانة الحديدية.
ويتعرضون لحملات التفتيش والمداهمة الليلية، ومصادرة أغراضهم الشخصية وصور أبنائهم، كما تتعمد نقل الأسرى الذين تصل أموال الكنتين على أرقام حساباتهم بهدف التضييق عليهم ، وتفرض غرامات مالية على الأسرى لأتفه الأسباب، وتقوم بعقابهم بالعزل ومنع الزيارة ،وتسعى إدارة السجون لفرض الزي البرتقالي عليهم بالقوة.
إهمال طبي
معظم الأسرى القدامى هم من كبار السن نظراً للفترات الطويلة التي أمضوها في السجون، لذلك فمعظمهم يعاني من الأمراض المختلفة، حيث اثرت سنوات السجن الطويلة على أوضاعهم الصحية، وظروف السجون التي لا تناسب حياة البشر، وتفتقر إلى وسائل الرعاية الصحية، وخاصة في سنوات السبعينات والثمانينات مهتبرا ان السجون كانت لا تختلف عن المقابر بشئ، وكانت في تلك الفترات إدارة السجن تعامل الأسرى معاملة المحارب في ساحة القتال، حيث ميزها التعامل العنيف مع الأسرى وحرمانهم حتى من الصلاة وممارسة أى نشاط رياضي أو ثقافي ، أو اجتماعي فيما بينهم .
كما يعاني الأسرى القدامى المرضى من الإهمال الطبي المقصود بهدف إنهاك أجسادهم التي أصابها الإنهاك من سنوات السجن الطويلة، حيث تحرم إدارة السجون الأسرى من العلاج المناسب لحالاتهم المرضية ، ويضطر الأسير إلى الانتظار لسنوات طويلة حتى يسمح له للخروج إلى إجراء تحاليل طبية أو صور أشعة لكشف الأمراض قبل استفحالها في أجسادهم وصعوبة علاجها فيما بعد، وكذلك ينتظر الأسير لسنوات للسماح له بإجراء عملية جراحية، او عرضه على طبيب إخصائي، والذين تفتقر إليهم عيادات السجون .
فالأسير السوري بشر سليمان المقت والمعتقل منذ العام 1985، كان قد تعرض إلى أزمة قلبية ما اضطر إدارة السجن لنقله من سجن جلبوع إلى مستشفى العفولة لإجراء عملية قسطرة قلبية له، حيث يعاني من نوبات قلبية متكررة، ورفضت محاكم الاحتلال الصورية قبل عدة أيام طلبا بإطلاق سراحه نظراً لخطورة حالته، لإكمال علاجه في الخارج.
كما يُعاني الأسير رشدي حمدان أبو مخ وهو من اسرى المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1948، ومعتقل منذ 23 عاماً، ويعاني من مرض السكر وارتفاع في ضغط الدم وانسداد في شرايين القلب وحالته الصحية صعبة وحرجة جدًا.
والأسير المقدسي علي حسن شلايدة 60 عاما من الخليل، المعتقل منذ 18 عاماً ويعاني من أزمة صدرية حادة ، وضيق في التنفس ، ويقيم في مستشفى الرملة منذ 14 عاماً دون أن يطرأ أي تحسن على حالته الصحية، كما يعاني من تضخم في الأوردة الدموية في قدميه، وهو بحاجة لإجراء عملية جراحية لهما، إلا أن مصلحة السجون ترفض إجرائها له.
كما ان هناك من الأسرى القدامى من استشهد داخل السجن نتيجة الإهمال الطبي، واستهتار سلطات الاحتلال بحياة الأسرى، ومنهم الأسير محمد حسن ابوهدوان من القدس، والذي استشهد في مستشفى أساف هروفيه الاسرائيلي بعد 20 عاماً قضاها في السجون الإسرائيلية، ورفضت إدارة السجون في حينه معاينته من قبل طبيب من خارج السجن، أو إطلاق سراحه لإكمال علاجه في الخارج، والأسير جمعة إسماعيل موسى من القدس والذي استشهد داخل السجون بعد أن امضى فيها 15 عاماً، نتيجة الإهمال الطبي حيث كان يعاني من عدة أمراض أهمها القلب والأمعاء والمعدة.
ودعت وزارة الأسرى فصائل المقاومة الفلسطينية ألا ترضخ لابتزاز وضغوطات الاحتلال، والتثبت بشروطها والتمسك بمواقفها وبضرورة إنهاء معاناة الأسرى القدامى وإطلاق سراحهم ضمن الصفقة.